الخميس، 11 أغسطس 2016

كليرفو والجحيم والنوايا الحسنة

لا زلت اذكر وبمنتهى العرفان كلمات مدرس اللغة العربية لنا فى الثانوية العامة .... الاستاذ عثمان ... قال لنا الاستاذ عثمان اننا لا يجب ان نأخذ اى امر او مقوله على علاتها اذ يجب علينا ان نخضعها للنقد والتفكير والمراجعة ... وقال لنا ونحن نحدق فيه بانبهار ... طالما ان الكلمات ليست قرآنا .. ولا احاديثا صحيحة فقط ... فهى خاضعة للنقد والبحث والمراجعة .... كنا نفكر بعقول صغيرة منبهرة .. اذ كيف لنا ان نجد امامنا العالم باسره بعلمه ونظرياته خاضعا لتحقيقنا ومراجعتنا ... نقبل منه ما نقبل ونرفض منه ما نرفض ... وكأن الاستاذ عثمان قد نحت بداخلى تلك الكلمات فما عدت اجد بعد هذا اليوم مسلمات لا يطالها فكرى ولا يناقشها عقلى مهما كانت مكانة او قداسة من قالها فلا شيخ ولا عالم ولا قديس ولا احد يعلو على النقاش والبحث اللهم الا كلمات رب العزة جل وعلى والصحيح فقط من احاديث سيد الخلق عليه افضل الصلاة وازكى السلام  

لكن البشر يختلفون فى الفكر والخلفية والنشأة والخبرات ... فلم يقابلوا جميعهم أستاذى عثمان اسعده الله بكل الخير ... فكثيرا ما اجد مسلمات وبديهيات لا اصل لها سوى ان الكثيرين اجتمعوا على عظمة من قالها وحكمته ورجاحة فكره فركنوا لتلك الحكمة ولم يراجعوا او يناقشوا خلفها ... وهو امر لا استطيع فعله كثيراااا حقيقة ... 

ومن بين المسلمات التى لطالما انزعجت منها كثيرااا هى مقوله القديس الفرنسى ( برنارد كليرفو ) والتى يقول فيها ان الطريق للجحيم معبد بالنوايا الحسنة .... لطالما احسست بغصة وانزعاج لا مثيل لهم لدى سماعى تلك الجملة التى اراها غير منصفة لكثير من اصحاب النوايا الحسنة 

ولمن لا يعرف القديس الفرنسى برنارد كليرفو  (1090 - 1153) فهو من عظماء مبشرى تلك الفترة ولد لأب وام من الأتقياء ودخل احد الاديرة فى عمر الاثنين وعشرين عاما وعرف بتقواه وغيرته الشديدة على الدين وزهده وورعه وهو ما ميزه عن اقرانه الذين كانوا بذلك السن لكنه تطرف قليلا فى رغبته فى الزهد  فيما ارى فعلى سبيل المثال كان كليرفو يتناول هو واقرانه وجبة واحدة فى اليوم زهدا وتطهرا لكن هذا لم يرضه فانطوى عنهم وافرد لنفسه نظاما اقسى من هذا مما جعل صحته تعتل كثيرا بعدها بعامين فقط من دخوله الدير ولورعه الشديد وتشدده كلف كليرفو باقامة دير جديد فى شرق فرنسا عرف بدير كليرفو  وقد تأثر كثيرون من الرهبان بشخصيته فدخلوا هذا الدير كي يكونوا على مقربه منه وكان لحياته وعلاقاته الشخصية ومعاملاته وعظاته اليومية التي كان يلقيها في كنيسة الدير تأثير بالغ على الرهبان المحيطين به ولم يقف تأثير برنارد عند حدود دير كليرفو، ولكنه تخطي أسوار الدير حتى بلغ أوروبا كلها ولقوة تأثيره على الناس أوكل إليه البابا أمر الدعوة للحملة الصليبية الثانية فكان لخطبه تأثير بالغ في كل من ألمانيا وفرنسا، وكان الإمبراطور قد استقر رأيه على عدم الاشتراك في تلك الحملة، ولكنه ما أن سمع خطب برنارد المؤثر حتى هب ووضع على صدره شارة الصليب الحمراء وانضم إلى صفوف المقاتلين

وما اقف عنده هنا هو مقولته التى انتشرت انتشارا عظيما فى كثير من الثقافات المتشددة فهى تتكرر على السنة الكثيرين من مثقفى الغرب وهو ما اجده مفهوما او مقبولا فى ثقافتهم التى يعتبرون كليرفو فيها كالنبى الذى لا يخطئ ... ولا يدركون مدى تشدده ..  لكنى اجده ليس مقبولا بالنسبة لى فى ثقافتنا الاسلامية والعربية ... فأين لكل امرئ ما نوى ؟؟؟ وأين على نياتكم ترزقون ؟؟؟ وأين مضغة القلب التى ان صلحت صلح شاننا كله وان فسدت صرنا للهلاك فريسة ؟؟؟ في الإسلام النية شرط لصحة العمل .. و قد حدد اشرف الخلق عليه الصلاة والسلام فقال إنما الأعمال بالنيات و لكل أمريء ما نوى وهو ما يعظم قيمة النية الحسنة التى لا يمكننا ضرب وزعزعة قيمتها فنهلك حقا ... 

 اتعجب ممن يلوكون كلمات كليرفو دونما اى بحث او دراسة او ذرة تفكير .... ارى ان كليرفو قديسا عظيما ولا شك تصل قداسته لدى الكاثوليك الى انهم يطلبون شفاعته حتى اليوم من فرط ورعه وايمانه من وقت ان اعلنه البابا قديسا ومعلما   ... لكنى اراه ليس نبيا ولا الها حتى نأخذ كلماته دونما تفكير او تحقيق ونكررها فى بلاهة نحسد عليها كثيرااا ... فمن يستطيع اقناعى بان الطريق للجحيم معبد بالنوايا الحسنة ؟؟؟ من يستطيع رسم طريق للجحيم امام نية حسنة وطيبة وكيف .؟؟ الم يهبنا الله عقلا كى نتفكر ونتدبر كلماته المقدسة ؟؟ فكيف بكلمات البشر ؟؟ كيف باطروحات البشر التى تحتمل الصواب او الخطأ .... قد نهلك احيانا بسبب سذاجتنا ونوايانا الحسنة وهو ما لا يعد فى نظرى دليلا على صحة كلمات برنارد كليرفو ... وانما يكون بالقطع دليلا على تلوث الفطرة وسوء الخلق  او سوء الاختياروانهيار القيم الذى قد نكون وصلنا اليه ... قد نصل للجحيم بالفعل بفعل اشرار عالمنا وليس بفعل نوايانا الحسنة .... ارى انه لا يجب علينا ان نترك عقولنا نهبا لاى مقوله او قاعدة يوهمنا بها البعض على انها مسلم بها .... فلا مسلمات ولا ثوابت الا كلمات الله وكلمات اشرف المرسلين فقط لا غير .... 


عزيزى كليرفو  .... بالقطع انت من اعظم القديسين الذين تؤخذ عظاتهم وكلماتهم وتردد رغم مرور مئات السنين عليها  لكنك لست الها ولا نبيا حتى اسلم بكلماتك جميعا ... عزيزى كليرفو اختلف معك جدااااا فالطريق للجحيم معبد بالنوايا السييئة ... معبد بالاطماع ... معبد بعدم تقوى الله ... معبد بالقبح والكراهية والدماء .. عزيزى كليرفو .. الطريق للجحيم معبد بالكسل والحياد وغض الطرف عن الظلم ... معبد بالحقد والحسد وسواد القلوب ...  عزيزى كليرفو الطريق للجنة بالقطع هو المعبد بالنوايا الحسنة . 


هناك تعليقان (2):